الأربعاء، 24 يوليو 2013

من قارئ عدادات إلى مدير تقنية المعلومات.










ولد محمد العماري لعائلة تمتهن تجارة الذهب والمجوهرات فمنذ عمر مبكر كان يصطحبه والده معه ليساعده على خدمة رواد متجر المجوهرات الذي يمتلكه والده متعشماً بأن يكون محمد هو خليفته في هذه التجارة إذا ما كبر ..بعد أن  تخرج محمد من الثانوية تفرغ للعمل مع والده في سوق الذهب وكان يقضي جل يومه في مساعدة والده وتقديم الخدمة للزبائن  والقيام بمهام المحاسبة و أي أمور يكلفه بها والده غافلاً حتى عن سؤال نفسه هل أنا أحب هذا العمل أم لا. لم تدم غفوة السؤال بداخله طويلاً  حتى أيقظه زملائه المتخرجين معه بالثانوية الذين إلتقاهم بعد غياب عام كامل وذهب كل واحد يخبره أي التخصصات الجامعية أختار لدراسته وكيف أنهم يخططون لمستقبلهم وبعد أن أنفضوا من حوله وجد محمد نفسه يعيش على هامش فرص الحياة الثمينة و أنه جعل مستقبله بين يدي من حوله و وجد نفسه في مهنة أمتهنها بناءاً على رغبة  والده بينما ذهب كل واحد من زملاؤه يختار مستقبله بنفسه.قرر محمد  أن يمنح نفسه ما يستحق من فرص الحياة وذهب ليستقل بنفسه و قبل أول عمل دون علم والده كقارئ عدادات. أصيبا  والد وعم محمد بصدمة  بعد أن رأوه لأول مرة يرتدي الزي الخاص بقارئ العدادات , سارع عمه للإنحناء  به عن والده الغاضب قائلاً : ما هذا الذي ترتديه يا محمد ماذا تريد أن يقول الناس عن أبن تاجر الذهب ؟ والدك لم يقصر معك بشيء مالذي يجبرك على أن تمتهن هذة المهنة؟ أخبره محمد بكل ثقة بأنه لم يفعل شيء معيب وإنما يبحث عن مستقبله وأنه لن يتخلى عن العمل مع والده وسيكون معه طوال الفترة المسائية . قرن محمد نفسه بوظيفة ودراسة في تخصص يحبه فذهب يعمل قارئ لعدادات الكهرباء من الفجر وحتى العاشرة صباحاً ومن ثم يذهب للمقاعد الجامعية طالباً بهندسة الحاسب الآلي حتى يحين وقت العصر وبعدها يذهب للعمل بمحل والده حتى يغلق بالعاشرة مساءً.كان يضطر محمد لتغيير زيه ثلاث مرات باليوم  زي خاص للعمل وثوب للجامعة وثوب أخر لمتجر الذهب متنقلاً ما بين العمل ليستقل بنفسه مادياً والمقاعد الجامعية للوصول إلى مستقبله ومتجر الذهب بحثاً عن رضا والده .يعمل لأكثر من 17 ساعة في اليوم متحملاً كل ضغوطات العمل  و الدراسة و مساعدة والده بمتجر الذهب و كأن المتنبي يقصده حينما قال :
كُلَّ يَوْمٍ لكَ احْتِمالٌ جَديدٌ *** ومَسيرٌ للمَجْدِ فيهِ مُقامُ
   وإذا كانَتِ النّفُوسُ كِباراً   *** تَعِبَتْ في مُرادِها الأجْسامُ
 وكَذا تَطْلُعُ البُدورُ عَلَيْنَا    ***  وكَذا تَقْلَقُ البُحورُ العِظامُ


بعد أربع سنوات من العمل المتواصل تخرج محمد من الجامعة مهندساً لعلوم الحاسب الآلي وتقدم بشهادته لشركته التي  رفضت في البداية قبول الشهادة بل شكلت لجنة للتحقيق معه عن كيفية حصوله على شهادته رغم أنه على رأس العمل وغير متفرغ , أجابهم محمد بأن كل ما فعله أنه أنتهز الفرصة الكامنة في انتهاء عمله مبكراً  في الساعة العاشرة صباحاَ فبدل أن يذهب أسوة بزملائه إلى المنزل كان يذهب للدراسة بجامعة الملك عبدالعزيز . كانت نتائج التحقيق بأن يتم حفظ طلب قبول شهادته وعدم الأخذ بها .
أصيب محمد بخيبة أمل كبيرة إثر عدم إهتمام شركته بإنجازه الذي حققه فبدل أن يكرموه حققوا معه و كأنه أجرم في حقهم  و رفع  محمد إعتراضه لمدير القطاع الغربي بالشركة السعودية للكهرباء  في تلك الفترة بعدم اعتماد شهادته فأنصفه و أعطاه ثمن جهده  و كفاحه بأن حوله من قارئ عدادات إلى مهندس مبتدئ بقسم الحاسب الآلي .
لم يكن يتوقعا والد وعم محمد بأن بدلة العمل التي كانوا يزدرون عليه  إرتدائها   أنها ستهديهم الفخر اليوم بأن إبنهم أصبح  مديراً لتقنية المعلومات بالشركة السعودية للكهرباء.
قرار محمد أن يخرج من تجارة الذهب التي لم يجد نفسه فيها فتحت له أبواب أحلامه و ذهب يعمل كما يحب وكما تتوق له روحه .

من أكبر الأخطاء التي نرتكبها بحق أنفسنا أننا نغفل عن الفرص التي تتيحها لنا الحياة بأن نختار مستقبلنا بأنفسنا  ونكتفي بالعيش على فقر الفرص التي يوفرها لنا من حولنا ونعتاش عليها على الفاقة مفوتين على أنفسنا ثراء الفرص  التي نقتنيها لأيامنا  القادمة  .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق